حكم من حلف على ألا يفعل امرا ما خلال مدة معينة ثم فعل هذا الأمر ناسيا
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربنا يجزيكم كل خير ويعينكم ويوفقكم إلى ما يحب ويرضى
لى سؤال وهو
ما حكم من حلف على ألا يفعل امرا ما خلال مدة معينة ثم فعل هذا الأمر ناسيا قبل مرور المدة؟؟
وجزاكم الله كل خير
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
ووفَّقَك الله لِكُلّ خَيْر
اخْتُلِف في كفارة اليمين لمن حنث ناسيا .
قال الإمام البخاري : بَاب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الأَيْمَان ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) ، وَقَالَ : ( لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ )
قال ابن حجر : قوله : " بَاب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الأَيْمَان " ، أيْ : هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ لا ؟
قَوْلُهُ : وَقَوْل اللَّه تَعَالَى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الآيَة مَنْ قَالَ بِعَدَمِ حِنْثِ مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا ، وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ لا يُنْسَب فِعْلُهُ إِلَيْهِ شَرْعًا لِرَفْعِ حُكْمِهِ عَنْهُ بِهَذِهِ الآيَة ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ . اهـ .
قال الخرقي : وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ الطَّلاقِ وَالْعَتَاقِ
قال ابن قدامة : جُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لا يَفْعَلَ شَيْئًا ، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا ؛ فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ .
نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ الْجَمَاعَةُ ، إلاَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ . هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .
وَاخْتَارَهُ الْخَلالُ وَصَاحِبُهُ . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ لا يَحْنَثُ فِي الطَّلاقِ وَالْعَتَاقِ أَيْضًا ، وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، وَإِسْحَاقَ ، قَالُوا : لا حِنْثَ عَلَى النَّاسِي فِي طَلَاقٍ وَلا غَيْرِهِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ ، وَالنِّسْيَانِ ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ . وَلأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْمُخَالَفَةِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ ، كَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ .
وقال أيضا مُرجِّحًا : الْكَفَّارَةَ لا تَجِبُ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ ، مَا تَقَدَّمَ ، وَلأَنَّهَا تَجِبُ لِرَفْعِ الإِثْمِ ، وَلا إثْمَ عَلَى النَّاسِي .
فالذي يظهر أن الناسي لا شيء عليه ؛ لأنه لم يتعمّد فعل ما حَلَف ، والإثم يقع إذا فعله عامدا من غير نِيّة تكفير عن يمينه .
والله تعالى أعلم .